دليل شامل حول النفقة (Unterhalt) في ألمانيا: كيف تُحتسب وما الشروط؟
تُعَدّ النفقة في ألمانيا (بالألمانية: Unterhalt) من أهم الالتزامات المالية التي تترتّب على الشخص تجاه أفراد عائلته أو أقاربه المقرّبين، وخاصةً عند الطلاق أو الانفصال، أو في حالة وجود أطفال يحتاجون إلى رعاية. في هذه المقالة الشاملة، سنقدّم شرحًا وافيًا ومفصّلًا، مع تسليط الضوء على القوانين الألمانية المنظِّمة للنفقة، وأنواعها، وكيفية حسابها والمطالبة بها.
ما هو مفهوم النفقة (Unterhalt) في ألمانيا؟
يشير مصطلح Unterhalt إلى المبلغ المالي الذي يلتزم شخصٌ ما بدفعه لتغطية تكاليف معيشة أحد أفراد عائلته أو أحد أقاربه الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية. ويأتي ذلك وفقًا لما تنصّ عليه القوانين الألمانية (وخاصةً المواد 1601–1615 من القانون المدني الألماني Bürgerliches Gesetzbuch – BGB)، إذ تفرض هذه القوانين التزامًا على الوالدين تجاه أبنائهم، بل وحتى على الأبناء تجاه الوالدين في بعض الحالات.
أنواع النفقة في ألمانيا
- نفقة الأطفال (Kindesunterhalt)
- تُعتبَر الأكثر شيوعًا، حيث يُلزم الأب أو الأم غير الحاضن بدفع نفقة دورية لتغطية احتياجات الطفل المعيشية.
- تحسب غالبًا بالاستناد إلى جدول دوسلدورف (Düsseldorfer Tabelle)، الذي يُستخدَم كمرجع وطني لتحديد الحد الأدنى للنفقات وفقًا للدخل وعدد الأطفال.
- نفقة الزوج/الزوجة (Ehegattenunterhalt)
- تنشأ غالبًا عند الانفصال أو الطلاق؛ إذ قد يتعيّن على أحد الزوجين دفع نفقة للآخر إذا كانت ظروفه المادية أضعف أو إذا كان يرعى أطفالًا صغارًا في المنزل.
- تنقسم إلى نوعين:
- نفقة خلال فترة الانفصال (Trennungsunterhalt) قبل الطلاق الرسمي.
- نفقة بعد الطلاق (nachehelicher Unterhalt) بعد صدور حكم الطلاق.
- نفقة الوالدين (Elternunterhalt)
- إذا احتاج أحد الوالدين إلى رعاية طويلة الأجل وأصبح غير قادر على تحمّل تكاليف الرعاية الصحية أو دار المسنين، قد يطالَب الأبناء بدفع جزء من التكاليف على شكل نفقة، شريطة أن يتخطّى دخلهم حدًّا معيّنًا.
كيف تُحسب نفقة الأطفال؟
1. جدول دوسلدورف (Düsseldorfer Tabelle)
يُعَدّ جدول دوسلدورف المرجع الأساسي لحساب نفقة الأطفال في ألمانيا. يعتمد هذا الجدول على:
- دخل الوالد المُلزَم بالنفقة: يتم تحديد فئة الدخل (عادةً بالدخل الصافي الشهري).
- عمر الطفل: يُحدَّد مبلغ النفقة الشهري وفق الفئة العمرية (مثلاً من 0–5 سنوات، من 6–11، من 12–17، وما فوق 18).
- عدد الأطفال: قد يتغيّر مقدار النفقة الإجمالي إذا كان للشخص أكثر من طفل.
ملاحظة: هذه الأرقام ليست ثابتة بل تتجدّد دوريًا، ويعتمد قضاة الأسرة (Familiengericht) والمحامون على هذه البيانات كأساسٍ للحكم أو التفاهم الودي بين الوالدين.
2. خصم بدل الزيارة أو الرعاية المشتركة
إذا قضى الطفل وقتًا ملحوظًا لدى الوالد المُلزَم بالدفع (مثل إقامة جزئية عنده)، قد يُعاد النظر في قيمة النفقة أو تُخفض نسبيًا، بشرط ألاّ يتأثّر مستوى معيشة الطفل.
3. حد الكفاف للمُلزَم بالنفقة (Selbstbehalt)
يشترط القانون ترك جزءٍ من دخل المُلزَم لدفع النفقة لتغطية تكاليف معيشته الأساسية. يُسمّى هذا المبلغ بـSelbstbehalt، ويُحدَّد بقيمة معيّنة يُعاد تقييمها من حين لآخر.
نفقة الزوجية: كيف يتم احتسابها؟
- الفترة الزمنية
- خلال الانفصال: تبدأ النفقة من يوم مغادرة أحد الزوجين المنزل المشترك أو من لحظة صدور أمر قضائي بالانفصال الرسمي، وحتى لحظة صدور الطلاق النهائي.
- بعد الطلاق: تختلف المعايير وفقًا لعوامل عدّة مثل طول فترة الزواج، وعدد الأطفال، ومستوى التعليم والقدرة على الكسب.
- مبدأ الإعالة المشترك
- يعتمد حساب نفقة الزوجية على مبدأ أن كلا الزوجين استفادا من نمط معيشة معيّن أثناء الزواج. لذلك، إذا افتقر أحدهما للدخل الكافي بعد الانفصال، تُلزِم المحكمة الشريك الآخر بتقديم دعم.
- الظروف الخاصة
- إذا كان هناك طفل صغير يحتاج إلى رعاية مستمرّة، فقد يزيد مبلغ النفقة أو يُمدَّد لأمد أطول.
- إذا كانت فترة الزواج قصيرة، قد تُرفض النفقة بعد الطلاق أو يتم تحديدها لفترة محدودة.
كيفية المطالبة بالنفقة أو تعديلها
- التفاهم الودّي
- غالبًا ما يُفضَّل التفاهم الودّي قبل اللجوء إلى المحاكم، ويتم ذلك عبر مفاوضات مباشرة أو بمساعدة مكاتب رعاية الشباب (Jugendamt) بالنسبة لنفقة الأطفال.
- أمر قضائي (Titel)
- في حال عدم اتفاق الطرفين، يمكن رفع دعوى لدى محكمة شؤون الأسرة (Familiengericht).
- تصدر المحكمة حكمًا أو قرارًا يُسمّى Titel يُلزم الطرف المَدِين بالنفقة بدفعها بانتظام، ويمكن تنفيذ هذا القرار بالقوة القانونية إذا امتنع عن الدفع.
- تعديل النفقة
- إذا طرأ تغيير كبير في الدخل أو الحالة الشخصية (مثل البطالة، زواج جديد، زيادة كبيرة في الدخل)، يمكن طلب تعديل مبلغ النفقة بالزيادة أو النقصان.
دور مكاتب رعاية الشباب (Jugendamt) في نفقة الأطفال
- الاستشارات: يقدّم Jugendamt إرشادات قانونية حول حقوق وواجبات كل من الوالدين في ما يخص نفقة الأطفال.
- توثيق اعتراف الأبوة: إذا لم يكن الوالدان متزوّجين، يمكن توثيق اعتراف الأب بأبوّته في Jugendamt، ما يُسهّل فيما بعد احتساب النفقة.
- دفع التقدّم بنفقة مؤقّتة (Unterhaltsvorschuss): في حال امتنع أحد الوالدين عن دفع نفقة الطفل أو كان مجهول المكان، يوفّر Jugendamt نفقة مسبقة للطفل على شكل معونة حكومية، على أن تسعى الجهة الرسمية لاحقًا لاستردادها من المُلزَم.
ماذا لو لم يدفع المُلزَم بالنفقة؟
- الحصول على أمر قضائي واجب التنفيذ
- إذا توفّر حكم قضائي أو أمر نفقة (Titel) ولم يلتزم الطرف المَدِين بالدفع، يمكن تطبيق إجراءات الحجز على دخله أو حسابه المصرفي.
- إشعار أرباب العمل
- في بعض الحالات، يخطر المحامي أو المحكمة رب عمل المَدِين لاقتطاع مبلغ النفقة مباشرةً من راتبه الشهري.
- استشارة المحامي
- عند مواجهة عراقيل في تحصيل النفقة، يستحسن طلب مساعدة قانونية من محامٍ مختص بقضايا الأسرة (Familienrecht) لتتبع السُّبُل القانونية المناسبة.
نصائح عملية متعلّقة بالنفقة في ألمانيا
- الاحتفاظ بالمستندات المالية
- مثل كشوف الرواتب والشهادات الضريبية، لضمان وضوح الدخل عند تقدير النفقة أو مراجعتها.
- اللجوء إلى الاستشارات المجانية
- مكاتب الاستشارة العائلية والجمعيات الخيرية ونقابات العمال قد توفّر استشارات أولية مجانية حول حقوق النفقة.
- التواصل المباشر
- إن أمكن، اسعَ للتواصل الودّي مع الطرف الآخر لتجنّب تعقيدات الدعاوى القضائية وكُلفها.
- متابعة تحديثات جدول دوسلدورف
- تتغيّر البنود والمبالغ بشكل دوري، لذا احرص على متابعة التعديلات السنوية لمعرفة حقوقك والتزاماتك المالية بدقّة.
- الحصول على مشورة محامٍ مختص
- في حال النزاعات أو المبالغ الكبيرة، قد يكون من الأفضل استشارة محامٍ لديه خبرة في قانون الأسرة الألماني كي تتجنب الأخطاء الإجرائية.
خاتمة
إنّ نظام النفقة (Unterhalt) في ألمانيا يُعتبَر أداةً جوهريةً لضمان احتياجات الأطفال والعائلات، كما يشكّل عاملاً أساسيًا في الحفاظ على التوازن المالي بين أفراد الأسرة، لا سيما عند الانفصال أو الطلاق. يُحدِّد القانون المدني الألماني الأحكام والالتزامات بوضوح، مع توفير آليات قانونية وعملية تضمن حصول كل طرف على حقوقه.
إذا كنتَ ترغب في فهمٍ أفضل لوضعك القانوني أو حساب النفقة بشكل صحيح، فإنّ اللجوء إلى الجهات الاستشارية الرسمية أو المكاتب المتخصّصة هو الخطوة المثلى. إنّ الاطلاع المستمرّ على التعديلات القانونية، مع الالتزام بالشفافية والتعاون بين الأطراف المعنيّة، يوفّر بيئة أفضل لرعاية الأطفال وتأمين مستقبلهم في ألمانيا.
-------------------------------------
ـ* يحرص فريق الكتاب والمحررين في موقع على تقديم معلومات دقيقة من خلال بحث مكثف واطلاع على عدة مصادر عند كتابة المقالات، ومع ذلك قد تظهر بعض الأخطاء أو ترد معلومات غير مؤكدة. لذلك، يُرجى اعتبار المعلومات الواردة في المقالات مرجعية أولية والرجوع دائماً إلى الجهات المختصة للحصول على المعلومات المؤكدة.
