مقدمة
تُعد الانتخابات البرلمانية في ألمانيا حجر الأساس للنظام الديمقراطي القائم في البلاد.
فمن خلالها، يُمنح المواطنون الحق في اختيار ممثليهم في البرلمان الاتحادي المعروف بـ البوندستاغ (Bundestag)، والذي يُشكل بدوره الحكومة الألمانية ويؤثر بشكل مباشر على السياسات الداخلية والخارجية.
لكن ما هو نظام الانتخابات البرلمانية؟ وكيف تُدار؟ ومن يحق له التصويت؟
في هذه المقالة نستعرض بالتفصيل كل ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية في ألمانيا بأسلوب مبسط ومنظم.
ما هو البوندستاغ؟
البوندستاغ هو البرلمان الفيدرالي الألماني، ويتكون من أعضاء يتم انتخابهم مباشرة من الشعب.
يمارس البوندستاغ سلطات تشريعية ورقابية، وأبرز مهامه:
سن القوانين.
انتخاب المستشار الاتحادي (رئيس الحكومة).
مراقبة عمل الحكومة.
إقرار الميزانية الفيدرالية.
مدة ولاية البرلمان هي 4 سنوات، وتُجرى الانتخابات بعد انتهاء هذه المدة أو في حالات استثنائية مثل حل البرلمان.
من يحق له التصويت؟
يشترط القانون الألماني لمنح المواطن حق التصويت في الانتخابات البرلمانية ما يلي:
أن يكون ألماني الجنسية.
أن يكون قد بلغ 18 عامًا على الأقل يوم الانتخاب.
أن يكون قد أقام في ألمانيا لمدة لا تقل عن 3 أشهر.
ألا يكون محرومًا من الحقوق السياسية بحكم قضائي.
يُرسل إلى كل ناخب بطاقة انتخابية بالبريد تفيد بحقه في التصويت وتحدد مركز الاقتراع الخاص به.
نظام الانتخابات البرلمانية في ألمانيا: "الصوتان"
يُعرف النظام الانتخابي الألماني بأنه نظام مختلط يجمع بين الانتخاب الفردي والتمثيل النسبي، ويُمنح كل ناخب صوتين اثنين:
1. الصوت الأول (Erststimme)
يُستخدم لانتخاب مرشح مباشر من الدائرة الانتخابية المحلية (عددها 299 دائرة).
المرشح الحاصل على أعلى عدد من الأصوات في الدائرة يفوز بمقعد مباشر في البوندستاغ.
يشبه هذا الجزء من النظام أسلوب "الفائز الأول".
2. الصوت الثاني (Zweitstimme)
يُستخدم لاختيار حزب سياسي.
هو الأكثر أهمية لأنه يحدد النسبة الإجمالية للمقاعد التي يحصل عليها كل حزب في البرلمان.
يتم توزيع المقاعد المتبقية (من أصل 598 مقعدًا على الأقل) بناءً على هذه النسبة.
هذا التوازن يضمن تمثيلًا عادلًا للأحزاب وفي نفس الوقت ارتباطًا محليًا مباشرًا للناخبين بممثليهم.
كم عدد مقاعد البرلمان؟
العدد الأساسي لمقاعد البوندستاغ هو 598 مقعدًا:
299 مقعدًا من الصوت الأول (المرشح المباشر).
299 مقعدًا يُوزع نسبيًا حسب نتائج الصوت الثاني.
لكن هذا العدد غالبًا ما يزداد بسبب ما يُعرف بـ:
مقاعد التجاوز (Überhangmandate): إذا حصل حزب على مقاعد مباشرة أكثر مما يستحقه وفقًا للصوت الثاني.
مقاعد التعويض (Ausgleichsmandate): تُضاف للأحزاب الأخرى لضمان التوازن النسبي.
لذلك، قد يتجاوز عدد النواب الفعليين أحيانًا 700 عضو.
ما هي الأحزاب المشاركة؟
كل حزب سياسي في ألمانيا يمكنه الترشح للانتخابات إذا استوفى شروط التسجيل الرسمية.
وتشهد الانتخابات عادة مشاركة أحزاب كبرى، منها:
CDU/CSU: الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري.
SPD: الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
Bündnis 90/Die Grünen: حزب الخضر.
FDP: الحزب الديمقراطي الحر.
AfD: البديل من أجل ألمانيا (يميني شعبوي).
Die Linke: حزب اليسار.
لا يُسمح لأي حزب بدخول البرلمان إلا إذا حصل على 5% على الأقل من الصوت الثاني على مستوى البلاد، أو فاز بـ 3 مقاعد مباشرة.
كيف يتم تشكيل الحكومة بعد الانتخابات؟
بعد الانتخابات، يُعقد البرلمان الجديد ويبدأ مشاورات تشكيل الحكومة.
وفي أغلب الحالات، لا يحصل أي حزب على الأغلبية المطلقة، لذلك:
تُشكل تحالفات بين أحزاب لتكوين ائتلاف حاكم.
يُنتخب المستشار الاتحادي من قبل أغلبية البوندستاغ.
يُكلَّف المستشار باختيار الوزراء وتشكيل الحكومة.
الائتلافات المشهورة في السنوات الأخيرة تشمل "التحالف الكبير" بين CDU وSPD، و"تحالف إشارات المرور" بين SPD، FDP، وحزب الخضر.
هل يمكن التصويت بالبريد؟
نعم، يُسمح بالتصويت عبر البريد (Briefwahl) لأي ناخب لا يستطيع التصويت شخصيًا.
تُطلب أوراق الاقتراع عبر البريد أو الإنترنت، وتُرسل الورقة الانتخابية بالبريد قبل موعد الانتخابات.
التصويت البريدي في ألمانيا يتميز بالسهولة والموثوقية، وهو يزداد شعبية مع مرور الوقت، خصوصًا بعد جائحة كورونا.
أهمية الانتخابات البرلمانية
الانتخابات البرلمانية ليست فقط وسيلة لاختيار حكومة، بل هي:
تعبير مباشر عن إرادة الشعب.
أداة لمحاسبة الأحزاب على برامجها وأدائها.
مفتاح لضمان تداول السلطة بشكل سلمي ومنظم.
دعامة رئيسية للدستور والديمقراطية الألمانية.
خاتمة
الانتخابات البرلمانية في ألمانيا تمثل واحدة من أكثر العمليات الانتخابية تنظيمًا ودقة على مستوى العالم، وهي نموذج يُحتذى به في الشفافية والنزاهة.
من خلال نظام انتخابي مزدوج يمنح المواطن تأثيرًا مزدوجًا – محليًا وحزبيًا – تسعى ألمانيا لضمان تمثيل عادل ومتوازن يعكس تنوع آراء المجتمع، ويُعزز استقرار الحياة السياسية على المدى الطويل.
-------------------------------------
ـ* يحرص فريق الكتاب والمحررين في موقع على تقديم معلومات دقيقة من خلال بحث مكثف واطلاع على عدة مصادر عند كتابة المقالات، ومع ذلك قد تظهر بعض الأخطاء أو ترد معلومات غير مؤكدة. لذلك، يُرجى اعتبار المعلومات الواردة في المقالات مرجعية أولية والرجوع دائماً إلى الجهات المختصة للحصول على المعلومات المؤكدة.